الأربعاء، ٢١ مارس ٢٠٠٧
جريدة الرياض
جريدة الرياض اليومية
الاربعاء 2 ربيع الأول 1428هـ - 21 مارس 2007م - العدد 14149
حول العالم
الحجر الأسود هل هو ألماس فضائي أسود؟
فهد عامر الأحمدي
هناك أحاديث نبوية كثيرة تفيد بقدوم الحجر الأسود - الموجود في الكعبة - من خارج الفضاء الخارجي؛ فقد جاء عن عبد الله بن عمر أنه قال : "نزل الركن الأسود من السماء فوضع على (جبل) أبي قبيس كأنه مهاة بيضاء - أي بلورة - فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم".. وجاء عن ابن عباس أنه قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم".. كما قال عنه صلى الله عليه وسلم "الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب"... ومن مجمل هذه الأحاديث نفهم أن الحجر الأسود نزل من الفضاء - وتشكل خارج الأرض - وسقط على جبل أبي قبيس في أطراف مكة...
وهذه الحقيقة تذكرنا على الفور بنوع فريد من النيازك الفضائية يدعى الألماس الأسود (ويعرف في علم الجيولوجيا باسم Carbonados) .. وهذا الألماس شديد الصلابة يتميز داخله بالبياض الناصع في حين يغلف خارجه بطبقة سوداء محترقة ( أشبه بالزجاج الذائب).. ومن المعروف أن الألماس يمكن أن يتكون في الفضاء الخارجي - كما يمكن أن ينفصل مباشرة من الأجرام السماوية البعيدة -. وحين ينزل الى الأرض تحترق طبقته الخارجية (بسبب احتكاكه السريع بالغلاف الجوي) فيتشح خارجه باللون الأسود الصقيل. وهذا النوع من النيازك أكثر ندرة بآلاف المرات من الألماس الأرضي - والمعروف منه حتى الآن اكتشف على مدى زمني طويل في أفريقيا والبرازيل!!
... وقبل أيام فقط كنت في مكة المكرمة حين تشرفت بالسلام على الحجر الأسود فتذكرت (في اللحظة التي أدخلت فيها رأسي) أوجه الشبه بينه وبين هذا النوع من الألماس.. فبالإضافة لتشابه البنية الجيولوجية للطرفين أقرت الأحاديث النبوية (السابقة) بالأصل الفضائي للحجر الأسود. ورغم صعوبة وصف بنيته الداخلية (كونه مثبتاً في جدار الكعبة منذ قرون) إلا أن هناك أخباراً تاريخية تفيد ببياضه من "الداخل". فما يظهر للناس الآن هو رأس الحجر المكون من عدة قطع متلاصقة (رأيتها عيانا) مغطاة بمعجون أسود صلب يشعر به كل من يلمسه ويقبله.. وفي مناسبات تاريخية قليلة رأى الناس جرمه الداخلي حين اقتُلع على يد "جرهم" ثم "إياد" ثم "العمالقة" ثم "خزاعة" وتحدث من رآه عن شبهه بالبلورة الكبيرة - أو المهاة البيضاء كما جاء في الحديث السابق - .. وكان "القرامطة" آخر من أقتلع الحجر الأسود من الكعبة عام 317ه فرآه الناس واتفقوا على وجود السواد في رأسه وبياض جسمه الداخلي (وذكر ذلك فقيه من القرن الرابع عشر يدعى محمد بن نافع الخزاعي)!
.. أما بخصوص نزوله من الجنة؛ فرغم أن الأحاديث التي جاءت بهذا الشأن هي أحاديث آحاد لم تبلغ درجة التواتر إلا أنه (حتى الصحيح منها ) لا يفيد بتعارض نزوله من الجنة أو السماء مع أصله الفضائي أو طبيعته النيزكية..
... وفي جميع الأحوال؛ لا ننسى أن الأصل في العبادات هو إذن الله بفعلها بصرف النظر عن أصلها أو الحكمة من فعلها.. والحجر الأسود أيا كان أصله أو المكان الذي أتى منه فقد قَبَّله رسول الله وأمر الناس بتقبيله - وشأننا في ذلك شأن عمر بن الخطاب الذي قال "إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك"!!
Fahmadi@alriyadh.com
رابط الخبر : http://www.alriyadh.com/2007/03/21/article234736.html
هذا الخبر من موقع جريدة الرياض اليومية www.alriyadh.com
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة اليمامة الصحفية 2007تصميم وتطوير وتنفيذإدارة الحاسب الالي - قسم الإنترنت
window.print();
السبت، ١٠ مارس ٢٠٠٧
خطباء وزعماء
خطباء وزعماء!
عبد الله باجبير - 21/02/1428هـ
Abdullah@bajubeer.comتحول خطباء بعض المساجد إلى زعماء .. تركوا الدين واشتغلوا بالسياسة .. فأفسدوا الدين وأفسدوا السياسة معا!!والمسجد ليس استاد كرة .. ولا هو ملعب تنس .. ولا سوبر ماركت ولا مجلس محلي .. ولا منبر سياسي .. المسجد مكان للعبادة .. والوقوف به له شروط شرعية يجب اتباعها .. فإذا اختلت هذه الشروط ضاع دور المسجد، وضاع الخطيب .. المسجد للصلاة .. والصلاة ليست محل اجتهاد الإمام والخطبة ليست محل اجتهاد الخطيب.إن الدور الخطير الذي يقوم به الخطيب يجب أن يكون موضع تدقيق فلا نترك له الحبل على الغارب كما حدث لخطباء وفقهاء الفضائيات الذين يمرحون على الشاشة فيقولون ما لا يفعلون .. ومنهم خطيب شهير جهير يهاجم "أمريكا" ليل نهار ويتهمها بالعصف بالقيم والأخلاق .. وفي الوقت نفسه فإن اثنتين من بناته تتعلمان في أمريكا.ويقول الدكتور توفيق بن عبد العزيز السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد .. إن المساجد مكان عبادة وهي بيوت الله لجمع الكلمة ووحدة الصف .. لا مصدر تفرق وتناحر وبلبلة ونشر الضغينة بين أفراد المجتمع .. وكلما أحب الناس الإمام نهض المسجد بدوره .. فإن تحولت وظيفة المسجد إلى غير وجهها الشرعي تسببت في فتنة عظيمة.ويتطرق الدكتور السديري إلى مفهوم "الإمامة عبادة" أي مبنية على النص من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه السلام إن قصر الخطبة من فقه الخطيب .. ولكننا نرى اليوم الخطباء يطيلون فيها لدرجة أن كثيرين من المأمومين يخرجون وقد تبخرت كلماته من آذانهم وخير الكلام ما قل ودل.وحذر الدكتور السديري من المعلومات الشرعية المستقاة من الإعلام والإنترنت فليس كل شخص يستقى منه.لذلك كله أصدرت الإدارة العامة والعلاقات العامة للإعلام في الوزارة والتي أعدها الدكتور السديري في إطار التوجيهات العامة للأئمة والخطباء وقد شملت اثني عشرة قضية تتعلق بوظيفة إمام المسجد ودور الخطيب والالتزام بالضوابط المحددة .. وغير ذلك مع مراعاة حاجات الناس لا مراعاة رغباتهم .. وموقف الخطيب من الأحداث التي تمر بها البلاد ثم نظرة الخطيب إلى المجتمع.وأخيرا على الأئمة والخطباء مراعاة حالات المصلين ومدى إنصاتهم وتفاعلهم مع الخطيب لتحقيق الفائدة المرجوة .. وألا يسهبوا في التشاؤم والترهيب إنما النصح باللين وألا ينظر للمجتمع نظرة سوداء فالشر موجود والخير موجود.وهذا كله مفيد ومهم وجميل .. ولكن الأفيد والأهم والأجمل .. المتابعة والتنفيذ.
الجمعة، ٩ مارس ٢٠٠٧
ضياع المفاتيح 2
عود على بدء
بعد مرور عدة أسابيع على تسليم المفتاح الضائع لشرطة مدينة كاردف، كما ذكرت في الحلقة السابقة، تسلمت رسالة من مركز الشرطة. قلت يا ساتر. حدث ما كنت أخشاه. عادوا للاتصال بي. فتحت المظروف لأقرأ هذه السطور: «لقد قمت بتسليم مفتاح لهذا المركز. وقد مضت الآن مدة الشهر المنصوص عليها في المادة 65 من قانون الودائع واللقيات والمفقودات لعام 1887 وتعديله بذيل القانون 85 لسنة 1913، من دون أن يتقدم أحد للأدعاء بملكية المفتاح المذكور والمطالبة به تحريريا أو شفويا، وبالاصالة أو الوكالة أو النيابة. وعليه وبموجب قانون تعديل ذيل القانون المشار اليه أعلاه والنظام الصادر بموجبه بتاريخ 5 ابريل 1925 وتعليمات مديرية الشرطة العليا الموجهة الينا بتاريخ 17 مايو1929 فيسرنا أن نعلمكم بأن المفتاح المذكور الذي عثرتم عليه على طريق بريكن الريفي، قد اصبح ملككم الخاص. يرجى حضوركم لهذا المركز خلال مدة لا تتجاوز اسبوعين لتسلم المفتاح المذكور والتوقيع في السجل بدخوله في عهدتكم».
يعني ذلك بعبارة أخرى قطع مائتي ميل الى ويلز لتسلمه. بيد أن ملاحظة في اسفل الرسالة افرجت عني، وانقذت الموقف. «واذا لم تحضروا في المدة المنصوص عليها في الرسالة أعلاه، فستقوم مديرية شرطة كاردف ببيع المفتاح المذكور وتحويل مبلغ البيع لأيتام وأرامل الشرطة، بموجب مقتضيات قانون الودائع واللقيات والمفقودات لعام 1887 المشار اليه آنفا بعاليه، وتعليمات مديرية الشرطة العليا المؤرخة 17 مايو 1929 وبالإشارة للنظام الداخلي لجمعية مساعدة ايتام وأرامل الشرطة، الفقرة 12 من المادة 13. ويمكنكم الاطلاع على نسخة من النظام المذكور في المكتبة العامة».
قلت الحمد لله أصبحت مصدرا لرفاه أيتام وأرامل الشرطة البريطانية. وأرجو لهم كل الخير والازدهار بثمن هذا المفتاح. ولن يضيع عند الله أجر المحسنين. بيد أن ولدي نائل ثار على هذه اللامسؤولية من جانبي. لقد وعدته بالعودة لجبال ويلز إذا صدفت لي أي مهمة هناك. وذكرني بنصحي له «إذا وعدت فأوف بالوعد». وبينما كنا نتجادل في حكمة هذه الموعظة ونطاقها، وما اذا كانت تشمل قطع مائتي ميل الى ويلز لتسلم مفتاح قديم صدئ لا حاجة لأي أحد به، دوى صوت أم نائل من المطبخ يولول ويدمدم «وين حطيت مفتاح السرداب ما أدري.. ؟» وتطوع نائل ليدلي بنصيحته: «ماما تذكري وين آخر مرة شفت المفتاح». وبعد عدة ثوان من التفكير العميق واستعراض أحداث الحياة قالت: «اذا الله ما يكذبني آخر مرة شفت مفتاح السرداب معي، كانت في اثناء نزهتنا في طريق بريكن الريفي.. لازم وقع مني هناك!».
وقضى الله امرا كان مفعولا. وكتب علي أن اقطع المائتي ميل ثانية الى شرطة كاردف. وهناك درس وراء هذه الحكاية، بل استغفر الله درسان. الأول اذا رأيت مفتاحا فلا تلتقطه. الدرس الثاني إذا كنت مسافرا فلا تسلم مفاتيح بيتك لزوجتك.
التعليــقــــات
سعودالمقرن-استراليا، «استراليا»، 06/03/2007
أستاذي الكريم هناك سر ربما لم تكتشفه بعد، و هو أن إغضاب أم نائل يكلف الكثير، فهل تستطيع الجزم بأن كل ما حدث لم يكن مدبرا، لعقابك على زلة اعتبرتها عابرة؟؟!ليت كل عقاب مثل عقاب أم نائل(راح يصير مثل)، كان العالم بخير.دم للجمال.
احمد بن عبدالله التويجري، «المملكة العربية السعودية»، 06/03/2007
سبحان الله ... نصيحتك لابنك نائل (ابقاه الله لك ) اثمرت وكنت انت اول واسرع المستفيدين منها.
ضياع المفاتيح 1
حذار من المفاتيح الضائعة
المفاتيح وضياع المفاتيح من متاعب الحياة . لم يحدث لي أن التقيت برجل لم يمر بها، وبما تضمنته من شجون ومفارقات ومن مضحكات ومبكيات. من المشاهد التي لا أنساها مشهد رأيته في إحدى القرى الألمانية النائية. اجتمع فيها أهل القرية بملابسهم التاريخية التقليدية حول تمثال مريم المجدلية. ثم انصرفوا كل الى ناحية. ودفعتني فضوليتي الكرخية الى سؤال احدهم عن المناسبة، أهي عرس ؟! فأشار الى رجل كئيب واقف وقال، لقد أضاع الهر شتاين مفاتيح بيته ومضى عليه يومان، وهو وأسرته ينامون في الطريق. فاستنجد بالقس وأهل القرية لعل مريم المجدلية تساعده في العثور على مفاتيحه.
محنة أليمة، ولكنها لا تدنو بشيء من المحنة التي واجهتها قبل سنوات لا بسبب فقدان مفاتيحي وإنما بسبب عثورنا على مفاتيح غيرنا. اتضح أن ضياع مفتاح أيسر من العثور على مفتاح. ثبت ذلك بعد أن عثر ابني نائل على مفتاح صغير صدئ بجانب طريق ريفي في ويلز. وكنت قد وعظته عن أهمية الأمانة والصدق: إذا عثرت على شيء فسلمه للشرطة..الخ. ووجدت في لقيته مناسبة تطبيقية فراح ليسلم المفتاح العتيق لأحد الشرطة. بيد ان الشرطي البريطاني الحريص على القانون رفض تسلمه منه باعتباره طفلا قاصرا. سأله عن ولي امره، فأجابه «أبي». فقال له: إذن فعلى والدك أن يأتي بالمفتاح ويسلمه.
استسخفت الفكرة وهممت برمي المفتاح في القمامة، ولكن فكرة مزعجة طرأت لي. ما الذي يحدث إذا وقعت سرقة ؟ ستتجه الشبهات حالا الى الرجل الذي عثر على مفتاح ولم يسلمه. ركبت القطار عندئذ وقطعت ثلاثين ميلا الى اقرب مركز شرطة في سوانزي. وهنا فتح المأمور سجلا اكبر من سجل غوانتانامو: اسمك، اسم ابيك، لقب عائلتك، متزوج أم أعزب؟ بدأت بالتضايق من كل ذلك. فقاطعت المأمور: «يا سيدي، هل كل ذلك ضروريا؟ انه مجرد مفتاح قديم صغير. ربما يعود الى ما قبل الحرب العظمى ومات اهله أو غيروا قفلهم». فأجاب: «هذا شيء ثانوي. القانون قانون ولا بد من تطبيقه. والآن عنوانك، شغلك، عنوان عملك؟ تاريخ ومحل ولادتك»... استمر بالاستجواب حتى وصل موضوع الإفادة. ما أن أدليت بها حتى وضع القلم جانبا وأغلق السجل: «يا سيدي هذا الطريق الريفي خارج منطقتنا. عليك ان تسلم المفتاح لشرطة كاردف. ارجو ان تتأكد من المنطقة اولا في المستقبل».
فكرت ثانية برمي المفتاح في الزبالة. بيد ان الشرطة أصبحت على علم به وستتضاعف شبهاتها اذا لم اسلمه حسب القانون. فركبت القطار الى كاردف. وبعد كثير من البحث اهتديت الى مركز الشرطة الذي وجدته عامرا برجال سرقت بيوتهم ونساء اغتصبت أعراضهن. أخذت مكاني حتى جاء دوري وباشروا معي: «اسمك؟ اسم عائلتك؟... الخ». وبعد ان انتهيت من الإفادة والإعادة ، تسلم المأمور المفتاح ووضعه في ظرف خاص وختم ووقع عليه. ثم طلب مني التوقيع ايضا عليه وعلى السجل واستودعني بالله: «شكرا على امانتك وسنتصل بك». أثارت الكلمتان الأخيرتان القلق في نفسي. ما الذي يتطلب المزيد من الاتصال؟ وكما سيجد القارئ في حلقتي القادمة لم يكن قلقي بدون مبرر.
المفاتيح وضياع المفاتيح من متاعب الحياة . لم يحدث لي أن التقيت برجل لم يمر بها، وبما تضمنته من شجون ومفارقات ومن مضحكات ومبكيات. من المشاهد التي لا أنساها مشهد رأيته في إحدى القرى الألمانية النائية. اجتمع فيها أهل القرية بملابسهم التاريخية التقليدية حول تمثال مريم المجدلية. ثم انصرفوا كل الى ناحية. ودفعتني فضوليتي الكرخية الى سؤال احدهم عن المناسبة، أهي عرس ؟! فأشار الى رجل كئيب واقف وقال، لقد أضاع الهر شتاين مفاتيح بيته ومضى عليه يومان، وهو وأسرته ينامون في الطريق. فاستنجد بالقس وأهل القرية لعل مريم المجدلية تساعده في العثور على مفاتيحه.
محنة أليمة، ولكنها لا تدنو بشيء من المحنة التي واجهتها قبل سنوات لا بسبب فقدان مفاتيحي وإنما بسبب عثورنا على مفاتيح غيرنا. اتضح أن ضياع مفتاح أيسر من العثور على مفتاح. ثبت ذلك بعد أن عثر ابني نائل على مفتاح صغير صدئ بجانب طريق ريفي في ويلز. وكنت قد وعظته عن أهمية الأمانة والصدق: إذا عثرت على شيء فسلمه للشرطة..الخ. ووجدت في لقيته مناسبة تطبيقية فراح ليسلم المفتاح العتيق لأحد الشرطة. بيد ان الشرطي البريطاني الحريص على القانون رفض تسلمه منه باعتباره طفلا قاصرا. سأله عن ولي امره، فأجابه «أبي». فقال له: إذن فعلى والدك أن يأتي بالمفتاح ويسلمه.
استسخفت الفكرة وهممت برمي المفتاح في القمامة، ولكن فكرة مزعجة طرأت لي. ما الذي يحدث إذا وقعت سرقة ؟ ستتجه الشبهات حالا الى الرجل الذي عثر على مفتاح ولم يسلمه. ركبت القطار عندئذ وقطعت ثلاثين ميلا الى اقرب مركز شرطة في سوانزي. وهنا فتح المأمور سجلا اكبر من سجل غوانتانامو: اسمك، اسم ابيك، لقب عائلتك، متزوج أم أعزب؟ بدأت بالتضايق من كل ذلك. فقاطعت المأمور: «يا سيدي، هل كل ذلك ضروريا؟ انه مجرد مفتاح قديم صغير. ربما يعود الى ما قبل الحرب العظمى ومات اهله أو غيروا قفلهم». فأجاب: «هذا شيء ثانوي. القانون قانون ولا بد من تطبيقه. والآن عنوانك، شغلك، عنوان عملك؟ تاريخ ومحل ولادتك»... استمر بالاستجواب حتى وصل موضوع الإفادة. ما أن أدليت بها حتى وضع القلم جانبا وأغلق السجل: «يا سيدي هذا الطريق الريفي خارج منطقتنا. عليك ان تسلم المفتاح لشرطة كاردف. ارجو ان تتأكد من المنطقة اولا في المستقبل».
فكرت ثانية برمي المفتاح في الزبالة. بيد ان الشرطة أصبحت على علم به وستتضاعف شبهاتها اذا لم اسلمه حسب القانون. فركبت القطار الى كاردف. وبعد كثير من البحث اهتديت الى مركز الشرطة الذي وجدته عامرا برجال سرقت بيوتهم ونساء اغتصبت أعراضهن. أخذت مكاني حتى جاء دوري وباشروا معي: «اسمك؟ اسم عائلتك؟... الخ». وبعد ان انتهيت من الإفادة والإعادة ، تسلم المأمور المفتاح ووضعه في ظرف خاص وختم ووقع عليه. ثم طلب مني التوقيع ايضا عليه وعلى السجل واستودعني بالله: «شكرا على امانتك وسنتصل بك». أثارت الكلمتان الأخيرتان القلق في نفسي. ما الذي يتطلب المزيد من الاتصال؟ وكما سيجد القارئ في حلقتي القادمة لم يكن قلقي بدون مبرر.
فرقة ولا سيادة
فرقة ولا سيادة
طالما اتهمنا الاستعمار بأنه مارس في بلادنا سياسة «فرّق تسد». وقد حاول دائماً اثارة الأخ على أخيه، وفرع القبيلة على أصلها، والمذهب على الآخر. واعطى الامتيازات لأزلامه وحجبها عن معارضيه. ومنح الرعاية لقوم، وصب الحرمان على قوم. وأغدق على أهل المدن. وحرم اهالي الداخل، والمناطق البعيدة. ولنتأمل اليوم ونقارن بين كل ما فعله الاستعمار وما فعله النظام العربي. اننا نفرّق أكثر مما فرّق بمئات المرات. وننكل بالناس ألف مرة الف مرة الف مرة اكثر مما نكل. ونفتن في الأمة الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى ونوقظ فيها امهات الفتن. واشعل الغرائز مجنونة ومتوحشة. واحرق الارزاق. واستعبد الاحرار وذرهم سجوناً ومنافي وقهراً وعزلة. وسحب الرغيف من الافواه ولقم الناس خوفاً وذعراً وخنوعاً.
لقد دمر الاحتلال الاميركي الجيش العراقي، ودمر الوطنيون العراق الدولة والمجتمع والاخلاقيات والعلاقات البشرية. واصبحنا نرى رأس الحكومة يدافع عن مرتكبي الاغتصاب قبل ان نعرف اذا كانوا مدانين او ابرياء. وصار الوطنيون ينظفون المدن ويطهرونها من مواطني الامس واصحاب الدار. واذا غابت الشرطة حضر اللصوص من كل الصنوف والفئات. والى الفتنة الكبرى قامت الهجرة الكبرى. ولم يعرف اي زمن استعماري، حتى ايام المجاعات الكبرى، ما نعرفه الآن من هجرات جماعية. ويكاد نصف العراق يصبح في التشرد، ما بين زمن صدام حسين وزمن الاطاحة به. وابواب الامة مفتوحة أمام الخارجين ومسدودة امام العائدين. وافاقها مسدودة. وحدودها فقط مفتوحة، وكل شيء آخر مغلق: نوافذ الحرية، وأبواب الأمل، وسبل التقدم والتطور والنمو.
نحن خريطة امة كبرى تلعب بها الريح وتتربص بها العاصفة وتمزقها الاعاصير. ولم تعد النكبة الكبرى في فلسطين توازي شيئاً مما حدث في نكبة العراق من قتل وتشريد وتفقير وتنكيل. وحتى الصوت العربي غائب عن السوط العربي. أو السوط المحلي. والاكثرية الصامتة ممعنة في صمتها الاجرامي والمدمر، خائفة من قول الحق والمجاهرة به ورفض الباطل وثقافة الدمار والخراب والموت ولا شيء سوى الخراب والدمار والموت. كل منا يحمل جنسية اخرى يخبئها في جيبه استعداداً للهجرة في اللحظة الحاسمة الى الدول الاستعمارية التي ربينا على عدائها ومعاداة ثقافاتها. الدول التي اتهمناها بتمزيق خريطة الأمة واقامة الكيانات المصطنعة. وها نحن نمزق حتى تلك الكيانات. ونقف فوق جثثها ونخطب عن الوحدة ونفاخر عالياً بالحريات.
التعليــقــــات
جيولوجي/محمد شاكر محمد صالح، «المملكة العربية السعودية»، 02/03/2007
صدقت في محتوى مقالك استاذنا سمير فنحن كعرب تفوقنا على ما فعله الإستعمار في بلادنا فكم المسجونين والمعذبين والهاربين والذين يعانون في بلادهم يفوق ما يستوعبه اي عقل وذلك كله بسبب غياب مناخ الديموقراطية وحرية الراي والمشاركة في الحكم الذي ظل يمارس سياسة الوصاية على شعبه وكأنهم قطعان من الغنم لاعقول لهم تميز بين الخطأ والصواب.
nadia hayet، «سويسرا»، 02/03/2007
لقد اصبت يسلم قلمك.
وول مارت تنقذ الكوكب
محمد حسن علوان*وول مارت، لمن لا يعرفها، شركة أمريكية بحجم دولة صغيرة، وباقتصاد دولة كبيرة. وهي أكبر شركة مبيعات تجزئة في العالم على الإطلاق، وتحقق أرباحاً سنوية تعادل مجموع أرباح أكبر خمسة منافسين لها! ويعمل فيها أكثر من مليوني شخص، ويلج إلى فروعها للتسوق أكثر من مائة مليون شخص يومياً، وهي تحقق دخلاً سنوياً يجعلها، إذا ما قورنت بالدول، تحتل الترتيب الثامن عشر كأعلى دخل سنوي بين "دول" العالم، وليس شركاته فقط. وإذا كانت شركة مايكروسوفت قد استطاعت أن تدخل اثنين من مؤسسيها قائمة أغنى عشرة أشخاص في العالم، فإن شركة وول مارت وحدها أدخلت خمسة من أفراد أسرة والتون إلى نفس القائمة!إن محاولة وصف شركة وول مارت بالأرقام هو أمر مرهق فعلاً، فالشركة عملاقة إلى الحد الذي يجعل كل ما يتعلق بها هائلاً، واستثنائياً، وغير مسبوق على الإطلاق. وربما يدور التساؤل حول ما يمكن أن يجعل من مجرد (سوبرماركت) ناجحاً إلى هذا الحد، والجواب أن وول مارت لا تبيع بشكل عادي فحسب، بل تتربع على نظام معقد جداً، ليس له مثيل،في عمليات الإدارة، والتوزيع، والمحاسبة، والتسويق، والمقاولة،والاستيراد، مما يخفض التكاليف إلى حدودها الدنيا. وهذه العبقرية المتراكمة في إدارة الشركة، هي عملة وول مارت الذهبية، وهي التي أعيت منافسيهم الذين فشلوا في توفير السلع بأسعار أقل من وول مارت، رغم أنهم جميعاً يشترونها من نفس المورّدين أحياناً، ولكن وول مارت وحدها تبيعها أرخص من أي منافس آخر، مما يجعلها محل ثقة الملايين من الزبائن للحصول على أفضل سعر وقيمة ممكنين.ومؤخراً، وقعت وول مارت تحت ضغوط إعلامية بعد تصاعد الانتقادات حول حقوق الموظفين، وانخفاض الرواتب، وضعف التأمينات التقاعدية، وبضعة أنواع معينة من العنصرية ضد النساء العاملات، وتفضيل الرجال عليهن، وبما أن وول مارت هي الشركة ذات عدد الموظفين الأكبر في العالم تحت إدارة رجل واحد، فقد كان لمثل هذه الضغوظ صدى كبير في تشكيل ما يشبه الحملة الإعلامية التي أجبرت الشركة على إعادة النظر فيما تقدمه لموظفيها من ميزات. ولا يمكننا بسهولة أن ننفي دور المنافسين في إذكاء مثل هذه الحملات. غير أن الشركة، في الحقيقة، ورغم سمعتها المشوهة تجاه رواتب موظفيها، كانت من أشد الداعمين لقانون رفع الحد الأدنى للرواتب والذي كان قيد الدراسة في الكونجرس، رغم أن القانون في حال تم تمريره سيكلفها الكثير. ولكن وول مارت مستفيدة من ذلك من ناحية أخرى، إذ إن أغلب زبائنها من محدودي الدخل، والذين ستؤدي زيادة مرتباتهم إلى زيادة معدل إنفاقهم في محلاتها، وتلك متاهة الأعمال. إلا أن دعم الشركة لهذا القانون قوبل باستحسان كبير من الناس، وأعاد الثقة إلى المسؤوليات الاجتماعية للشركات الكبرى في المجتمع. ولم تكن هذه القضية الوحيدة التي واجهتها الشركة، فقد اضطرت عدة مرات لدفع ملايين الدولارات كتعويضات في قضايا رفعت ضدها لتسببها في أضرار بيئية. ووسط كل هذه الضغوط، قررت الشركة أن تخطط جيداً لمسؤولياتها الاجتماعية بعد أن استشعرت الترصد الذي أصبح مكرساً ضدها، فبعد أن ضرب الإعصار كاترينا نيو أورلينز وما جاورها، سجلت وول مارت موقفاً مشرفاً جداً عندما كانت السباقة إلى فتح مستودعاتها على مصراعيها للمتضررين الذين هم في حاجة ماسة للمؤن الضرورية، وقد وفرتها وول مارت لهم قبل أن تبدأ الحكومة الأمريكية نفسها في ذلك، وبتعليمات مباشرة من رئيس الشركة قبل أن يفكر رئيس الدولة في الأمر! وتحولت شاحنات وول مارت التي تجوب شوارع المدينة المنكوبة إلى ما يشبه سيارات الإطفاء، والنجدة، والإسعاف. وتحول موظفوها وسائقوها إلى أبطال لا يقلون شرفاً عن رجال الإنقاذ. ومرة أخرى، كسبت وول مارت جولة جديدة ضد حملات تشويه السمعة، وسجلت موقفاً سباقاً لم تتمكن أي شركة أخرى من المجازفة بما يترتب عليه من خسائر.
ولكن مفاجأة وول مارت الكبيرة لم تأتِ بعد، وهذا هو مربط المقال، فبعد سنة كاملة من العمل مع مستشارين مستقلين متخصصين في مجال البيئة من أجل قياس الأثر الذي تحدثه شركة بحجم وول مارت على بيئة العالم، أو بالأحرى إعادة تقييم العضلات البيئية للشركة، تمكنت الشركة من ملاحظة الكثير من النقاط التي كانت جديرة بالاستغلال لتجنب ما تتعرض له الشركة من انتقادات، وما تدفعه من تعويضات. وبدأت مشروعها البيئي الكبير، أو بالأحرى، أكبر مشروع بيئي تتبناه منظمة ربحية خاصة في التاريخ. فبعد أن استشعرت الشركة تأخر الحكومة الأمريكية في التدخل بشكل فعال وملموس في قضايا البيئة، قررت ألا تنتظرها، فالشركة وحدها قادرة على ما تقدر عليه الدول، ولحسن حظ هذا الكوكب وساكنيه، أن المشروع الذي تتبناه هذه الشركة الآن بكل قوتها هو الحفاظ على البيئة، وبشكل فعال وملموس وعملي، بدلاً من المشاريع الكلامية والأكاديمية التي لا تزيدنا إلا حزناً وقلقاً، دون خطة عمل، أو لنقل: خطة إنقاذ. جولة عالمية قام بها أكبر ملاك الشركة في أنحاء مؤلمة من العالم، اطلع فيها بنفسه على الهاوية البيئية التي يتجه إليها الكوكب، استطاعت أن تحدد الملامح الرئيسة للمشروع البيئي، وعاد بعدها وقد اتخذ قراره بالمساهمة الفعالة للتغيير من طريقة تعاملنا مع الكوكب، ولعلنا نشير لغوياً إلى أن كلمة (فعالة) لدى رجال الأعمال تختلف كثيراً عن المفهوم الحكومي والسياسي المطاطي للكلمة. وهذا ما يدل عليه المشروع الذي تبنته وول مارت، وأخذته على عاتقها، وهو عاتق يتحمل أكثر مما نتوقع. المشروع لا يختلف عن بقية المشروعات البيئية في حجمه وتأثيره الهائلين فحسب، بل لأنه مختلف نوعياً أيضاً من حيث إنه يخلق دوافع غير معتادة للحفاظ على البيئة، وقابلة للاستمرار وحدها. فلطالما ثبت لنا أن الدوافع الأخلاقية والإنسانية ليست كافية لإحداث التغيير المقبول، وأن حشو قلوبنا بالقلق على مصير الكوكب لن يدفعنا للتوقف عن قيادة السيارات مثلاً، ولكن الدافع الأقوى هنا كان الدافع الاقتصادي، وول مارت شركة تجيد لعبة الاقتصاد. الفكرة بسيطة. وهنا بعض تطبيقاتها، وليقس القارئ عليها، فمثلاً على صعيد الثروة السمكية، قررت وول مارت ألا تشتري أي سمكة من شركة صيد لا تصيد الأسماك بطريقة تحافظ على الثروة البيئية البحرية، هل هذا القرار مجد ومؤثر؟ الذي يجيد تقدير التأثير العالمي لشركة بحجم وول مارت ستختلف إجابته عمن لا يجيد ذلك حتماً. فالكثير من مصائد الأسماك تستخدم المتفجرات في الصيد، أو الشباك المسحوبة عشوائياً بعرض البحر، وهي تهلك من السمك أربعة أضعاف ما يتم استهلاكه فعلياً منه. وبما أن وول مارت هي أكبر بائع للمنتجات البحرية في العالم، فلا شك أن إرضاءها كشركة هو الهاجس اليومي، والكابوس الليلي لكل شركة صيد في العالم. وهكذا كان قرار بسيط جداً من وول مارت، لا يكلفها الكثير، استطاعت أن تقلب به آلية صيد السمك بعرض العالم كله، ليس من أجل عيون السمك المدهوشة دائماً، بل من أجل الإنسانية أيضاً، فالمعروف أن أكثر من مليار شخص في العالم يعتمد اعتماداً مباشراً على المنتجات البحرية لتأمين حاجته الغذائية من البروتين، بينما يعتمد عليها أكثر من 200 مليون شخص في العالم كمصدر رزق، في حين أنه منذ عام 1950 حتى الآن، اختفى أكثر من 90% من الثروة السمكية في العالم. وياله من رقم مقلق فعلاً! وبهذا سيتم تسجيل مشروع وول مارت السمكي هذا، الذي هو مجرد جزء من أجزاء مشروعها البيئي الواسع، كأكبر مشروع لحماية الثروة السمكية في تاريخ المحيطات والبحار جميعاً، وذلك بعد تنسيق متقن مع جامعات كبرى مهتمة بعلوم البيئة البحرية، والخطة التي بدأ تنفيذها فعلياً الآن تسعى لتحقيق هدف صارم خلال خمس إلى سبع سنوات ينتهي بألا يتم بيع سمكة واحدة في متاجر وول مارت دون أن تكون مزودة بشهادة تثبت أنه تم اصطيادها بشكل لا يعرّض جنسها للانقراض، ولا يتم بيع منتجات الربيان وغيرها مما تتم زراعته بشكل خاطئ يضر بالنظام النباتي المحاذي للسواحل والضفاف أبداً. ومن الطبيعي أن وول مارت لا تشتري من كل مصائد الأسماك في العالم، ولكن أثر قرارها هذا لا بد أن ينتقل تدريجياً إلى المصائد الأخرى التي لا تتعامل معها،لأن الفكرة انقدحت فعلاً، وأصبحت نظام عمل معياريا، وسيصبح من الصعوبة البالغة على المصائد غير المنضبطة، قانونياً واقتصادياً، أن تبقى خارج الركب، لأن ضمير المستهلك سيتجه تدريجياً نحو الشراء من وول مارت كمساهمة لا تكلفه شيئاً لخدمة الكوكب، لاسيما وأن وول مارت هي الأرخص على أي حال. *كاتب سعودي
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)