حذار من المفاتيح الضائعة
المفاتيح وضياع المفاتيح من متاعب الحياة . لم يحدث لي أن التقيت برجل لم يمر بها، وبما تضمنته من شجون ومفارقات ومن مضحكات ومبكيات. من المشاهد التي لا أنساها مشهد رأيته في إحدى القرى الألمانية النائية. اجتمع فيها أهل القرية بملابسهم التاريخية التقليدية حول تمثال مريم المجدلية. ثم انصرفوا كل الى ناحية. ودفعتني فضوليتي الكرخية الى سؤال احدهم عن المناسبة، أهي عرس ؟! فأشار الى رجل كئيب واقف وقال، لقد أضاع الهر شتاين مفاتيح بيته ومضى عليه يومان، وهو وأسرته ينامون في الطريق. فاستنجد بالقس وأهل القرية لعل مريم المجدلية تساعده في العثور على مفاتيحه.
محنة أليمة، ولكنها لا تدنو بشيء من المحنة التي واجهتها قبل سنوات لا بسبب فقدان مفاتيحي وإنما بسبب عثورنا على مفاتيح غيرنا. اتضح أن ضياع مفتاح أيسر من العثور على مفتاح. ثبت ذلك بعد أن عثر ابني نائل على مفتاح صغير صدئ بجانب طريق ريفي في ويلز. وكنت قد وعظته عن أهمية الأمانة والصدق: إذا عثرت على شيء فسلمه للشرطة..الخ. ووجدت في لقيته مناسبة تطبيقية فراح ليسلم المفتاح العتيق لأحد الشرطة. بيد ان الشرطي البريطاني الحريص على القانون رفض تسلمه منه باعتباره طفلا قاصرا. سأله عن ولي امره، فأجابه «أبي». فقال له: إذن فعلى والدك أن يأتي بالمفتاح ويسلمه.
استسخفت الفكرة وهممت برمي المفتاح في القمامة، ولكن فكرة مزعجة طرأت لي. ما الذي يحدث إذا وقعت سرقة ؟ ستتجه الشبهات حالا الى الرجل الذي عثر على مفتاح ولم يسلمه. ركبت القطار عندئذ وقطعت ثلاثين ميلا الى اقرب مركز شرطة في سوانزي. وهنا فتح المأمور سجلا اكبر من سجل غوانتانامو: اسمك، اسم ابيك، لقب عائلتك، متزوج أم أعزب؟ بدأت بالتضايق من كل ذلك. فقاطعت المأمور: «يا سيدي، هل كل ذلك ضروريا؟ انه مجرد مفتاح قديم صغير. ربما يعود الى ما قبل الحرب العظمى ومات اهله أو غيروا قفلهم». فأجاب: «هذا شيء ثانوي. القانون قانون ولا بد من تطبيقه. والآن عنوانك، شغلك، عنوان عملك؟ تاريخ ومحل ولادتك»... استمر بالاستجواب حتى وصل موضوع الإفادة. ما أن أدليت بها حتى وضع القلم جانبا وأغلق السجل: «يا سيدي هذا الطريق الريفي خارج منطقتنا. عليك ان تسلم المفتاح لشرطة كاردف. ارجو ان تتأكد من المنطقة اولا في المستقبل».
فكرت ثانية برمي المفتاح في الزبالة. بيد ان الشرطة أصبحت على علم به وستتضاعف شبهاتها اذا لم اسلمه حسب القانون. فركبت القطار الى كاردف. وبعد كثير من البحث اهتديت الى مركز الشرطة الذي وجدته عامرا برجال سرقت بيوتهم ونساء اغتصبت أعراضهن. أخذت مكاني حتى جاء دوري وباشروا معي: «اسمك؟ اسم عائلتك؟... الخ». وبعد ان انتهيت من الإفادة والإعادة ، تسلم المأمور المفتاح ووضعه في ظرف خاص وختم ووقع عليه. ثم طلب مني التوقيع ايضا عليه وعلى السجل واستودعني بالله: «شكرا على امانتك وسنتصل بك». أثارت الكلمتان الأخيرتان القلق في نفسي. ما الذي يتطلب المزيد من الاتصال؟ وكما سيجد القارئ في حلقتي القادمة لم يكن قلقي بدون مبرر.
المفاتيح وضياع المفاتيح من متاعب الحياة . لم يحدث لي أن التقيت برجل لم يمر بها، وبما تضمنته من شجون ومفارقات ومن مضحكات ومبكيات. من المشاهد التي لا أنساها مشهد رأيته في إحدى القرى الألمانية النائية. اجتمع فيها أهل القرية بملابسهم التاريخية التقليدية حول تمثال مريم المجدلية. ثم انصرفوا كل الى ناحية. ودفعتني فضوليتي الكرخية الى سؤال احدهم عن المناسبة، أهي عرس ؟! فأشار الى رجل كئيب واقف وقال، لقد أضاع الهر شتاين مفاتيح بيته ومضى عليه يومان، وهو وأسرته ينامون في الطريق. فاستنجد بالقس وأهل القرية لعل مريم المجدلية تساعده في العثور على مفاتيحه.
محنة أليمة، ولكنها لا تدنو بشيء من المحنة التي واجهتها قبل سنوات لا بسبب فقدان مفاتيحي وإنما بسبب عثورنا على مفاتيح غيرنا. اتضح أن ضياع مفتاح أيسر من العثور على مفتاح. ثبت ذلك بعد أن عثر ابني نائل على مفتاح صغير صدئ بجانب طريق ريفي في ويلز. وكنت قد وعظته عن أهمية الأمانة والصدق: إذا عثرت على شيء فسلمه للشرطة..الخ. ووجدت في لقيته مناسبة تطبيقية فراح ليسلم المفتاح العتيق لأحد الشرطة. بيد ان الشرطي البريطاني الحريص على القانون رفض تسلمه منه باعتباره طفلا قاصرا. سأله عن ولي امره، فأجابه «أبي». فقال له: إذن فعلى والدك أن يأتي بالمفتاح ويسلمه.
استسخفت الفكرة وهممت برمي المفتاح في القمامة، ولكن فكرة مزعجة طرأت لي. ما الذي يحدث إذا وقعت سرقة ؟ ستتجه الشبهات حالا الى الرجل الذي عثر على مفتاح ولم يسلمه. ركبت القطار عندئذ وقطعت ثلاثين ميلا الى اقرب مركز شرطة في سوانزي. وهنا فتح المأمور سجلا اكبر من سجل غوانتانامو: اسمك، اسم ابيك، لقب عائلتك، متزوج أم أعزب؟ بدأت بالتضايق من كل ذلك. فقاطعت المأمور: «يا سيدي، هل كل ذلك ضروريا؟ انه مجرد مفتاح قديم صغير. ربما يعود الى ما قبل الحرب العظمى ومات اهله أو غيروا قفلهم». فأجاب: «هذا شيء ثانوي. القانون قانون ولا بد من تطبيقه. والآن عنوانك، شغلك، عنوان عملك؟ تاريخ ومحل ولادتك»... استمر بالاستجواب حتى وصل موضوع الإفادة. ما أن أدليت بها حتى وضع القلم جانبا وأغلق السجل: «يا سيدي هذا الطريق الريفي خارج منطقتنا. عليك ان تسلم المفتاح لشرطة كاردف. ارجو ان تتأكد من المنطقة اولا في المستقبل».
فكرت ثانية برمي المفتاح في الزبالة. بيد ان الشرطة أصبحت على علم به وستتضاعف شبهاتها اذا لم اسلمه حسب القانون. فركبت القطار الى كاردف. وبعد كثير من البحث اهتديت الى مركز الشرطة الذي وجدته عامرا برجال سرقت بيوتهم ونساء اغتصبت أعراضهن. أخذت مكاني حتى جاء دوري وباشروا معي: «اسمك؟ اسم عائلتك؟... الخ». وبعد ان انتهيت من الإفادة والإعادة ، تسلم المأمور المفتاح ووضعه في ظرف خاص وختم ووقع عليه. ثم طلب مني التوقيع ايضا عليه وعلى السجل واستودعني بالله: «شكرا على امانتك وسنتصل بك». أثارت الكلمتان الأخيرتان القلق في نفسي. ما الذي يتطلب المزيد من الاتصال؟ وكما سيجد القارئ في حلقتي القادمة لم يكن قلقي بدون مبرر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق