وول مارت تنقذ الكوكب
محمد حسن علوان*وول مارت، لمن لا يعرفها، شركة أمريكية بحجم دولة صغيرة، وباقتصاد دولة كبيرة. وهي أكبر شركة مبيعات تجزئة في العالم على الإطلاق، وتحقق أرباحاً سنوية تعادل مجموع أرباح أكبر خمسة منافسين لها! ويعمل فيها أكثر من مليوني شخص، ويلج إلى فروعها للتسوق أكثر من مائة مليون شخص يومياً، وهي تحقق دخلاً سنوياً يجعلها، إذا ما قورنت بالدول، تحتل الترتيب الثامن عشر كأعلى دخل سنوي بين "دول" العالم، وليس شركاته فقط. وإذا كانت شركة مايكروسوفت قد استطاعت أن تدخل اثنين من مؤسسيها قائمة أغنى عشرة أشخاص في العالم، فإن شركة وول مارت وحدها أدخلت خمسة من أفراد أسرة والتون إلى نفس القائمة!إن محاولة وصف شركة وول مارت بالأرقام هو أمر مرهق فعلاً، فالشركة عملاقة إلى الحد الذي يجعل كل ما يتعلق بها هائلاً، واستثنائياً، وغير مسبوق على الإطلاق. وربما يدور التساؤل حول ما يمكن أن يجعل من مجرد (سوبرماركت) ناجحاً إلى هذا الحد، والجواب أن وول مارت لا تبيع بشكل عادي فحسب، بل تتربع على نظام معقد جداً، ليس له مثيل،في عمليات الإدارة، والتوزيع، والمحاسبة، والتسويق، والمقاولة،والاستيراد، مما يخفض التكاليف إلى حدودها الدنيا. وهذه العبقرية المتراكمة في إدارة الشركة، هي عملة وول مارت الذهبية، وهي التي أعيت منافسيهم الذين فشلوا في توفير السلع بأسعار أقل من وول مارت، رغم أنهم جميعاً يشترونها من نفس المورّدين أحياناً، ولكن وول مارت وحدها تبيعها أرخص من أي منافس آخر، مما يجعلها محل ثقة الملايين من الزبائن للحصول على أفضل سعر وقيمة ممكنين.ومؤخراً، وقعت وول مارت تحت ضغوط إعلامية بعد تصاعد الانتقادات حول حقوق الموظفين، وانخفاض الرواتب، وضعف التأمينات التقاعدية، وبضعة أنواع معينة من العنصرية ضد النساء العاملات، وتفضيل الرجال عليهن، وبما أن وول مارت هي الشركة ذات عدد الموظفين الأكبر في العالم تحت إدارة رجل واحد، فقد كان لمثل هذه الضغوظ صدى كبير في تشكيل ما يشبه الحملة الإعلامية التي أجبرت الشركة على إعادة النظر فيما تقدمه لموظفيها من ميزات. ولا يمكننا بسهولة أن ننفي دور المنافسين في إذكاء مثل هذه الحملات. غير أن الشركة، في الحقيقة، ورغم سمعتها المشوهة تجاه رواتب موظفيها، كانت من أشد الداعمين لقانون رفع الحد الأدنى للرواتب والذي كان قيد الدراسة في الكونجرس، رغم أن القانون في حال تم تمريره سيكلفها الكثير. ولكن وول مارت مستفيدة من ذلك من ناحية أخرى، إذ إن أغلب زبائنها من محدودي الدخل، والذين ستؤدي زيادة مرتباتهم إلى زيادة معدل إنفاقهم في محلاتها، وتلك متاهة الأعمال. إلا أن دعم الشركة لهذا القانون قوبل باستحسان كبير من الناس، وأعاد الثقة إلى المسؤوليات الاجتماعية للشركات الكبرى في المجتمع. ولم تكن هذه القضية الوحيدة التي واجهتها الشركة، فقد اضطرت عدة مرات لدفع ملايين الدولارات كتعويضات في قضايا رفعت ضدها لتسببها في أضرار بيئية. ووسط كل هذه الضغوط، قررت الشركة أن تخطط جيداً لمسؤولياتها الاجتماعية بعد أن استشعرت الترصد الذي أصبح مكرساً ضدها، فبعد أن ضرب الإعصار كاترينا نيو أورلينز وما جاورها، سجلت وول مارت موقفاً مشرفاً جداً عندما كانت السباقة إلى فتح مستودعاتها على مصراعيها للمتضررين الذين هم في حاجة ماسة للمؤن الضرورية، وقد وفرتها وول مارت لهم قبل أن تبدأ الحكومة الأمريكية نفسها في ذلك، وبتعليمات مباشرة من رئيس الشركة قبل أن يفكر رئيس الدولة في الأمر! وتحولت شاحنات وول مارت التي تجوب شوارع المدينة المنكوبة إلى ما يشبه سيارات الإطفاء، والنجدة، والإسعاف. وتحول موظفوها وسائقوها إلى أبطال لا يقلون شرفاً عن رجال الإنقاذ. ومرة أخرى، كسبت وول مارت جولة جديدة ضد حملات تشويه السمعة، وسجلت موقفاً سباقاً لم تتمكن أي شركة أخرى من المجازفة بما يترتب عليه من خسائر.
ولكن مفاجأة وول مارت الكبيرة لم تأتِ بعد، وهذا هو مربط المقال، فبعد سنة كاملة من العمل مع مستشارين مستقلين متخصصين في مجال البيئة من أجل قياس الأثر الذي تحدثه شركة بحجم وول مارت على بيئة العالم، أو بالأحرى إعادة تقييم العضلات البيئية للشركة، تمكنت الشركة من ملاحظة الكثير من النقاط التي كانت جديرة بالاستغلال لتجنب ما تتعرض له الشركة من انتقادات، وما تدفعه من تعويضات. وبدأت مشروعها البيئي الكبير، أو بالأحرى، أكبر مشروع بيئي تتبناه منظمة ربحية خاصة في التاريخ. فبعد أن استشعرت الشركة تأخر الحكومة الأمريكية في التدخل بشكل فعال وملموس في قضايا البيئة، قررت ألا تنتظرها، فالشركة وحدها قادرة على ما تقدر عليه الدول، ولحسن حظ هذا الكوكب وساكنيه، أن المشروع الذي تتبناه هذه الشركة الآن بكل قوتها هو الحفاظ على البيئة، وبشكل فعال وملموس وعملي، بدلاً من المشاريع الكلامية والأكاديمية التي لا تزيدنا إلا حزناً وقلقاً، دون خطة عمل، أو لنقل: خطة إنقاذ. جولة عالمية قام بها أكبر ملاك الشركة في أنحاء مؤلمة من العالم، اطلع فيها بنفسه على الهاوية البيئية التي يتجه إليها الكوكب، استطاعت أن تحدد الملامح الرئيسة للمشروع البيئي، وعاد بعدها وقد اتخذ قراره بالمساهمة الفعالة للتغيير من طريقة تعاملنا مع الكوكب، ولعلنا نشير لغوياً إلى أن كلمة (فعالة) لدى رجال الأعمال تختلف كثيراً عن المفهوم الحكومي والسياسي المطاطي للكلمة. وهذا ما يدل عليه المشروع الذي تبنته وول مارت، وأخذته على عاتقها، وهو عاتق يتحمل أكثر مما نتوقع. المشروع لا يختلف عن بقية المشروعات البيئية في حجمه وتأثيره الهائلين فحسب، بل لأنه مختلف نوعياً أيضاً من حيث إنه يخلق دوافع غير معتادة للحفاظ على البيئة، وقابلة للاستمرار وحدها. فلطالما ثبت لنا أن الدوافع الأخلاقية والإنسانية ليست كافية لإحداث التغيير المقبول، وأن حشو قلوبنا بالقلق على مصير الكوكب لن يدفعنا للتوقف عن قيادة السيارات مثلاً، ولكن الدافع الأقوى هنا كان الدافع الاقتصادي، وول مارت شركة تجيد لعبة الاقتصاد. الفكرة بسيطة. وهنا بعض تطبيقاتها، وليقس القارئ عليها، فمثلاً على صعيد الثروة السمكية، قررت وول مارت ألا تشتري أي سمكة من شركة صيد لا تصيد الأسماك بطريقة تحافظ على الثروة البيئية البحرية، هل هذا القرار مجد ومؤثر؟ الذي يجيد تقدير التأثير العالمي لشركة بحجم وول مارت ستختلف إجابته عمن لا يجيد ذلك حتماً. فالكثير من مصائد الأسماك تستخدم المتفجرات في الصيد، أو الشباك المسحوبة عشوائياً بعرض البحر، وهي تهلك من السمك أربعة أضعاف ما يتم استهلاكه فعلياً منه. وبما أن وول مارت هي أكبر بائع للمنتجات البحرية في العالم، فلا شك أن إرضاءها كشركة هو الهاجس اليومي، والكابوس الليلي لكل شركة صيد في العالم. وهكذا كان قرار بسيط جداً من وول مارت، لا يكلفها الكثير، استطاعت أن تقلب به آلية صيد السمك بعرض العالم كله، ليس من أجل عيون السمك المدهوشة دائماً، بل من أجل الإنسانية أيضاً، فالمعروف أن أكثر من مليار شخص في العالم يعتمد اعتماداً مباشراً على المنتجات البحرية لتأمين حاجته الغذائية من البروتين، بينما يعتمد عليها أكثر من 200 مليون شخص في العالم كمصدر رزق، في حين أنه منذ عام 1950 حتى الآن، اختفى أكثر من 90% من الثروة السمكية في العالم. وياله من رقم مقلق فعلاً! وبهذا سيتم تسجيل مشروع وول مارت السمكي هذا، الذي هو مجرد جزء من أجزاء مشروعها البيئي الواسع، كأكبر مشروع لحماية الثروة السمكية في تاريخ المحيطات والبحار جميعاً، وذلك بعد تنسيق متقن مع جامعات كبرى مهتمة بعلوم البيئة البحرية، والخطة التي بدأ تنفيذها فعلياً الآن تسعى لتحقيق هدف صارم خلال خمس إلى سبع سنوات ينتهي بألا يتم بيع سمكة واحدة في متاجر وول مارت دون أن تكون مزودة بشهادة تثبت أنه تم اصطيادها بشكل لا يعرّض جنسها للانقراض، ولا يتم بيع منتجات الربيان وغيرها مما تتم زراعته بشكل خاطئ يضر بالنظام النباتي المحاذي للسواحل والضفاف أبداً. ومن الطبيعي أن وول مارت لا تشتري من كل مصائد الأسماك في العالم، ولكن أثر قرارها هذا لا بد أن ينتقل تدريجياً إلى المصائد الأخرى التي لا تتعامل معها،لأن الفكرة انقدحت فعلاً، وأصبحت نظام عمل معياريا، وسيصبح من الصعوبة البالغة على المصائد غير المنضبطة، قانونياً واقتصادياً، أن تبقى خارج الركب، لأن ضمير المستهلك سيتجه تدريجياً نحو الشراء من وول مارت كمساهمة لا تكلفه شيئاً لخدمة الكوكب، لاسيما وأن وول مارت هي الأرخص على أي حال. *كاتب سعودي
هناك تعليق واحد:
الول مارت هو السوق المفضل لدي واتمنى بأن يفتح في السعوديه كما سمعنا لكي نستطيع ان نشتري اخيرا من سوبرماركت نثق في مراعاته لجودة البضائع المعروضة
إرسال تعليق